المدوّنة

العودة الى القائمة

نقد سينمائي: أين يقع منزل صديقي؟ (1987)

11 سبتمبر 2011

بقلم ريم صالح، قسم الاعلام الجديد، مؤسسة الدوحة للأفلام

الفيلم: أين يقع منزل صديقي؟
العام: 1987
إخراج: عباس كياروستامي
بطولة: بابك أحمد بور، أحمد أحمد بور، وخيدا باريتش دفاعي
النوع: دراما

هذا هو الفيلم الذي فتح عيناي على السينما الايرانية وجعلني أتعلّق بها، وأصبح من إحدى المعجبات الوفيات للمخرج عباس كياروستامي. لقد فتح عيني على هذا الأسلوب البصري الفريد في رواية القصص، الذي يقوم على الحبكة البسيطة ويزخرفها بتقاصيل مؤثرة وثرية.

في بادئ الأمر، احترت أي الأفلام أختار لأكتب عنه، ثم قرّرت أن يكون فيلم ‘أين يقع منزل صديقي؟‘، تحديداً لأنه قدّم كياروستامي إلى العالمية، وأذاع صيته كمخرج صاحب رؤيا.

تجري أحداث الفيلم في الريف الايراني، في بلدة اسمها كوكر. بطله أحمد (بابك أحمد بور)، صبي في الثامنة من عمره، أخذ دفتر زميله محمد رضا (أحمد أحمد بور) عن طريق الخطأ، ويريد أن يعيده إليه، حتى لا تعاقبه المعلمة بشدة. فينطلق الصبي، ذو الضمير الصاحي، للبحث عن منزل محمد.

وحين يعود أحمد من المدرسة، لا يتمكن من حلّ فروضه المنزلية، حيث تتم مقاطعته مراراً للقيام ببعض المهام المنزلية؛ كمساعدة والدته وجدته على الاعتناء بأخيه الصغير…). ثم يدرك أنه أخذ دفتر صديقه عن طريق الخطأ، فيحاول إقناع والدته بمدى شدة العقاب الذي ينتظر صديقه إذا لم يعده إليه. غير أن أمه ترفض طلبه، غير مدركة مدى جدية الأمر. يقع أحمد في حيرة من أمره، ويغتنم فرصة خروجه من البيت لشراء الخبز، للبحث عن منزل صديقه. تبدأ مغامرة أحمد الخيرية، علماً أنه لا يملك ما يستدل به إلى البيت سوى أسماء البلدات المجاولة، واسم صديقه، رضا.

رحلة البحث هذه، تحوّل أحمد إلى بطل صغير، يواجه عقاب والده القاسي لرغبته بمساعدة زميله في الصف، وعدم ذهابه لشراء الخبز. ومعه نتنقّل من بيت إلى بيت، وهو يسستفسر من الناس عن الاتجاهات. وأمام كل باب، نكتشف قصة صغيرة، ولمحة عن طريقة المعيشة اليومية لهؤلاء الناس. كما أننا نلتقي بأطفال آخرين، يقومون هم أيضاً بتلبية أعمال منزلية، كحمل براميل الحليب التي تبدو أثقل من أوزانهم، ينقلونها وعلى وجوههم علامات الاصرار والمسؤولية. كيف يمكننا ألا نتأثر بذلك؟

في هذا الفيلم ذو الوتيرة البطيئة، ينقل إلينا عباس تلك الأجواء عبر مشاهد طويلة وغير مقتطعة. يتيح لنا الوقت لمشاهدة الأحداث من بعيد، وفهم تلك الثقافة، بينما نشاهد الروتين اليومي للعائلات والأطفال في الريف الايراني. ويُعرف عن كياروستامي حبه للعمل مع ممثلين غير محترفين (ما عدا فيلمه الأخير ‘نسخة طبق الأصل’ الذي لعبت فيه جولييت بينوش دور البطولة)، لكنه يتمكّن بأسلوبه من تحريض ملكة الأداء الأصلي والطبيعي منهم، على طريقة الأفلام الوثائقية. من وجهة النظر هذه، إنها الواقعية في خدمة الخيال.

وعلى الرغم من ذلك، ليس بوسعي سوى الانبهار بأداء الأطفال، الذين تحوّلهم براءتهم ونظراتهم الحادة إلى شخصيات قوية، وهم يكبرون ويرثون المسؤوليات في أعمار مبكرة. تلك ليست المرة الأولى التي عمل فيها كياروستامي مع الأطفال، فتلك طريقته في تصوير وجهات نظرهم الدفينه، للدلالة على العالم القاسي الذي يعيشون فيه. إنه فيلم ينجح نجاحاً باهراً في نقل كم هائل من المشاعر القوية.

إلى جانب أسلوبه في الاخراج، الذي يشبه طريقة الأفلام الوثائقية، أتاحت المشاهد الطبيعية لكياروستامي بصمةً فريدة من نوعها في عالم السينما. فلا يسعنا إلا أن نلحظ تلك الطرقات الملتوية، التي أصبحت ماركة مسجلة به. وكأنه يكتب قصيدة بصرية، أو رابطاً من الصفاء والهدوء، يستخدمه الأبطال مراراً وتكراراً. وأن يملك أحدنا هوية سينمائية خاصة به، فهذا يعني أن طريقته لا تشبه أية تقنية أخرى. ولقد قال الأستاذ الفرنسي جان لوك غودار في هذا الاطار: “السينما تبدأ مع دي دابليو غريفيث وتنتهي مع عباس كياروستامي”. أما مارتين سكورسيزي فقال “إن كياروستامي يمثّل أعلى درجات الفن في السينما”. المصدر: The Guardian.

هكذا يعلمنا كياروستامي، من خلال عناصر بسيطة، كيف نرى العالم من خلال عيون الأطفال. ويعطينا درساً أو درسيْن عن الأحداث التي تطبع حياتنا.

بعد الانتهاء من تصوير هذا الفيلم، ضرب زلزال بلدة كوكر عام 1990، فذهب المخرج وابنه للبحث عن أبطال الفيلم في كوكر، حيث تم تصوير معظم الفيلم. وأدى به ذلك إلى تصوير فيلم شبه خيالي تحت عنوان ‘الحياة ولا شيء أكثر…‘، وهو الفيلم الثاني في ثلاثية تناولت هذه البلدة، ثم تبعه فيلم ‘طعم الكرز’. أما فيلم ‘الحياة ولا شيء أكثر…‘، فهو مقتبس عن قصص حقيقية تحصل بعد الاضطرار للانتقال من مكان إلى آخر بسبب الأحداث المأساوية. إنها رحلة مؤثرة أخرجها هذا الرجل الذي يتقن فن رواية القصص الكبيرة والبسيطة في آن، مبرهناً أن “الصورة عبارة عن ألف كلمة”.

للترجمة العربية اضغط على

Khane-ye Doust Kodjast - (Where Is the Friend's Home) - Trailer

إعلان فيلم أين يقع منزل صديقي؟

blog comments powered by Disqus

staging