نقد سينمائي: بيروت الغربية (1998)
10 يوليو 2011

بقلم ريم صالح، قسم الاعلام الجديد، مؤسسة الدوحة للأفلام
الفيلم: وست بيروت (بيروت الغربية)
العام: 1998
إخراج: زياد دويري
بطولة: رامي دويري، محمد شماس، رولا الأمين
النوع: آرت هاوس، عالمي، دراما
في العام 1975، حين اندلعت الحرب الأهلية في لبنان، قُسمت بيروت إلى غربية للاسلام وشرقية للمسيحيين. هذا الفيلم يعكس رؤية مجموعة من المراهقين من بيروت الغربية قبيل اندلاع الحرب ا|لأهلية.
من بلكونة مدرسته، يشهد طارق (رامي دويري) مجزرة قُتل فيها 31 شخصاً على متن باص()”:http://en.wikipedia.org/wiki/Bus_massacre. بعد هذه الحادثة، يجتمع طارق وصديقه عمر (محمد شماس) مع صديقتهما المسيحية مي (رولا الأمين) لاكتشاف واقعهم الجديد في خضم الأحداث المحيطة. المدارس أقفلت أبوابها بسبب الحرب: هي الحرب نفسها التي أدخلت الاثارة على حياتهم، والامكانيات الجديدة وفوق ذلك كله، الكثير من أوقات الفراغ للحصول على بعض المرح أحياناً والتعرّض للأذى أحياناً أخرى. وفي هذا الوقت، يتصاعد التوتّر بين طارق وأهله؛ فوالده يصرّ على البقاء في لبنان الذي ينعدم فيه الاستقرار، بينما والدته المذعورة تصرّ على الرحيل من البلد. لكن كما هي الحال في أية حرب، لا يمكن تجنّب المأساة.
وقد أطلق المخرج زياد دويري عنوان الفيلم باللغتيْن الانكليزية والفرنسية. وهذا يرمز بشكل واضح إلى المجتمع اللبناني متعدد الثقافات واللغات. لكن هذا لا يقتصر على العنوان فحسب، بل يتعداه إلى بداية الفيلم، حين يبدأ طارق المشاغب بغناء النشيد الوطني اللبناني في ميكروفون، مقاطعاً رفاقه التلامذة المجبرون على غناء النشيد الوطني الفرنسي “لا مارسييز” (المارسيلية)، قبل الدخول إلى الحصص الدراسية في الصباح. لا بد وأن ذلك يشير إلى أزمة الهوية اللبنانية، والتي تتضح في حوار ما بين طارق ومعلمته الغاضبة، التي تقول له- بالفرنسية- أن سلوكه يقلل من احترام البلد الذي حقّق له السلام والحضارة. ويتابع طارق التعبير عن حنق واضح تجاه فرنسا حين يرفض سفراً، يقترحه عليه والده، إلى مخيم صيفي هناك، قائلاً “ما أنا كل يوم بفرنسا!”.
الفيلم يشبه سيرة ذاتية تتطور أحداثها حول عائلة متماسكة، يشغلها موضوع البقاء في زمن الحرب. فالوالد رياض (جوزيف أبو نصّار) لا يريد الاعتراف بالخطر الذي يغرق فيه لبنان. إنه يحاول أن يقنع عائلته أن الأوضاع ستستقرّ قريباً، كما هي الحال دائماً في لبنان. وحين يلاحظ انتشار الجنود من حوله، يصبح الاعتراف بالظروف المذعرة أمراً لا يمكن تجنبه. أما الوالدة (كارمن لبّس)، فترى في الهرب حلاً وخلاصاً، لا سيما وأنها قلقة جداً على مصير العائلة.
أما طارق فهو لا يشعر بالخوف حيال تطور هذه الأوضاع. إنه يريد الاستمتاع بكون المدرسة قد أغلقت أبوابها. لحسن حظه، تنتقل مي الجميلة إلى المبنى الذي يعيش فيه. غير أن مشكلة الغيرة الطبيعية تأخذ مجراها حين يحاول عمر إزعاج الدخيلة الجديدة. لكن بعد فترة قصيرة، يختفي التوتّر في العلاقة ويتحول الأصدقاء إلى ثلاثي رائع، جاهز لخوض المغامرات في بيروت.
وينجح دويري في تصوير التفاصيل الدقيقة التي لا يمكن أن يصفها إلا شخص عايش أجواء الحرب الأهلية في بيروت الغربية. فالحياة في الفيلم هي تماماً كالتي شهدها؛ محاولة البقاء على قيد الحياة وسط دفء الناس، بغض النظر عن الميليشيات التي كانت تجوب الطرقات بمعداتها العسكرية.
West Beyrouth Trailer
إعلان فيلم بيروت الغربية
وقد كوّن دويري قصته، مستمداً الوحي من هذه الذكرايات، كالجارة المزعجة التي تصرخ باستمرار بسبب انزاعجها من صياح ديك جارها باكراً كل صباح، أو تصب جام غضبها على الجنود المارين. ليليان نمري، قامت بدور الجارة السوقيّة، مسلية ومزعجة في الوقت ذاته، وهي مثلت هذا الدور ببراعة لا مثيل لها.
في الجهة المقابلة، نرى حنية حسن الخبّاز (محمود مبسوط)، الذي يحاول جاهداً توزيع الخبز بعدل بعد أن تضاءل مخزون القمح. فيقوم بمواجهة ميليشيوي بشجاعة، يحاول أن يأخذ كل الخبز الموجود في المخبز؛ وهو شاب مسلح، يعيش في المنطقة ويعرفه الجميع، غير أنه تحوّل إلى العصابات المسلحة.
ليس هناك أي موقف سياسي في هذا الفيلم، وهذا ما يعطيه إحساساً بالشخصية. فالحرب ليست سوى حدث لا يمكن تجنبه حصل في تلك الفترة. ولا يمكن الحديث عن العام 1975 في لبنان دون ذكر تلك التفاصيل كصعوبة الحصول على الخبز، أو الاختباء من القذائف في الملاجئ.
إنها قصة بسيطة نابعة من قلب إنسان يريد أن يخلّد ذكرايات ثمينة. فحولها إلى قصة شبان جريئين يعيشون مغامرة على الرغم من المخاطر ومفاجآت هذه الحرب. فهؤلاء الشبان يريدون تظهير فيلم سوبر 8، كما أنهم مهووسون بالوصول إلى بين الدعارة الشهير الذي تملكه شخصية تدعى أم وليد في بيروت الشرقية، حتى لو عنى ذلك المخاطرة بحياتهم أثناء العبور من بيروت الغربية إلى الشرقية، تحت نيران القنّاصة. نعم، الحرب خطيرة غير أن هؤلاء المراهقين بدمهم الحامي يعرفون كيف يجعلونها تجربة ممتعة.
أما دور طارق الذي يلعبه شقيق المخرج رامي، فهو يرمز إلى المخرج نفسه. والجدير ذكره أن محمد شماس الذي يلعب دور عمر، هو صبي شارع صدف أن تواجد في المكان ذاته الذي كان فيه المخرج وفي الوقت المناسب، فأعطاه الفرصة ليلعب الدور الرئيسي في الفيلم. بإمكانكم رؤية ذلك في أدائه القوي، الذي ينقل بصدق لغة وتصرفات أولاد الشوارع.
وهذا يؤدي بنا إلى أحد عناصر الفيلم: الحوار. فالفيلم اشتهر بالحوار الواقعي بالمقارنة مع الفترة التي كانت الأفلام اللبنانية فيها مجرّد نسخة ملمّعة عن الواقع. وقد أظهر بذكاء لغة الشارع اللبناني أمام جمهور عالمي، ومنها مفردات الحرب التي أصبحت جزءاً من كل مراهق كبر في زمن الحرب الأهلية.
وكلبنانية تشاهد الفيلم، يجدر بي القول إنه أعاد إلي ذكريات مريرة. فلقد أخذنا دويري إلى حرب لم تبارح يوماً ذاكرة أي مواطن. أما بالنسبة لغير اللبنانيين، يمكن أن يكون الفيلم عبارة عن رحلة رائعة في قلب مدينة رائعة. ومشاهدته تختلف؛ إنها نظرة لم تتسن لكم أثناء متابعتكم لأخبار الحرب في الأخبار.
Ziad Doueiri Portrait
زياد دويري