نقد سينمائي: طوق الحمامة المفقود
15 يوليو 2012

بقلم ريم صالح، قسم الويب، مؤسسة الدوحة للأفلام
الفيلم: طوق الحمامة المفقود
إخراج: ناصر خمير
العام: 1992
بطولة: نفين شودري، وليد عرقجي، ونينار إسبر
النوع: قصة خرافية، مغامرة
في فيلم “طوق الحمامة المفقود“، نتلمس كل هوس وعشق المخرج التونسي والشاعر وصانع الأفلام ناصر خمير للقصص الخرافية. فيه نشاهد ما يشبه الشعر لكن من ذلك النوع البصري، وهو فيلمه الطويل الثاني بعد فيلم “الهائمون” في ثلاثية أفلام الصحراء، التي ختمها بفيلم “باب عزيز”.
تجري أحداث الفيلم في الأندلس، حول مغامرة يعيشها شابان. حسن (نفين شودري) الخطاط الذي يبحث عن مخطوطة قديمة ستدلّه على حبه الحقيقي. وهناك زين (وليد عرقجي)، رسول الحب، وابن جني الذي يرافقه ويسلّم رسائل وهدايا أولئك غير القادرين على اللقاء.
هذا الفيلم مقتبس عن رواية “طوق الحمامة” لابن حزم (994-1064) وهي دراسة للحب ومظاهره وأسبابه عند العرب. ويحتوي الكتاب على مجموعة من أخبار وأشعار وقصص المحبين، ويتناول بالبحث والدَّرس عاطفة الحب الإنسانية على قاعدة تعتمد على شيء من التحليل النفسي من خلال الملاحظة والتجربة. فيعالج ابن حزم في أسلوب قصصي هذه العاطفة من منظور إنساني تحليلي. تذكرنا طريقته هذه بالفيلسوف الدانماركي سورين كيركيغار الذي عاش بين (1813-1855) وكتابه “أعمال الحب”. فالاثنان متشابهان بطريقة التحليل والاستنتاج بأن الشعور بالذنب الناتج عن الايمان يخنق شعلة الشغف. كما يقدم الاثنان مفهوماً عملياً لما يسمى بالحب، وحلولاً لرفع هذه المشاعر إلى الكمال، من خلال ابتداع أهداف أسمى لها.
وفي هذا الفيلم، يبتكر ناصر خمير شخصية أميرة سمرقند التي قطعت مسافات طويلة للوصول إلى غرناطة من أجل البحث عن حبها الحقيقي. نسمع في الفيلم هذا الشجو المبهم الغامض الذي يتردد على لسان الأميرة. ومن فرط اللوعة، أماتت الأصوات الحزينة أوراق الشجر وأصابها الذبول، وكانت هي أيضاً تبحث عن عاشق يتراءى لها في الخيال والمنام. تقع إحدى الأوراق في يد حسن، وتصبح هوسه الوحيد، ليترك كل شيء من أجل البحث عن أميرته – أي عن معنى الحب. وهذا هو فحوى الفيلم.
يختصر هذا الفيلم نظريات ابن حزم كلها على الشاشة. ويضيف الفيلم مزيداً من الوصف لأمجاد الأندلس ، والشغف بالكتب في ذلك الزمان، والتسامح الديني وثراء اللغة العربية (التي تتضمن “60 مصطلحاً لوصف الحب“، كما يخبرنا أحد العلماء الذين يظهرون في الفيلم). ما فعله ناصر هو إعادة إحياء أفكار ابن حزم، مستخدماً الجن والغموض، في قالب طبيعي وحقيقي.
لقي “طوق الحمامة المفقود” نجاحاً عالمياً، وفاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي.