نقد سينمائي: في مزاج الحب (2000)
05 سبتمبر 2011

بقلم ريم صالح، قسم الاعلام الجديد، مؤسسة الدوحة للأفلام
الفيلم: فا يونغ نين وا (في مزاج الحب)
السنة: 2000
إخراج: وونغ كار واي
بطولة: طوني لونغ شو واي، ماغي شونغ وبينغ لام سو
النوع: دراما، رومانسي
فيلم ‘في مزاج الحب’ هو الجزء الثاني من ثلاثية للمخرج وونغ كار واي، بعد فيلم ‘أيام الجموح’ و‘2046’. وهي سلسلة من الأفلام التي تبحث في مواضيع الزمن والذاكرة والعلاقات.
أما فيلم ‘في مزاج الحب’ فهو يأخذنا إلى هونغ كونغ في أوائل الستينيات، حين ينتقل شخصان في اليوم ذاته إلى نفس المبنى المكتظ. إنهما السيدة تشان والسيد تشو، اللذان يطوران علاقة صداقة، تكتسب المزيد من الأهمية حين يكتشفان أن أزواجهما يخونانهما مع بعضهما البعض. يحاول الصديقان الوصول إلى حالة من الفهم للسبب الذي دفعهما إلى فعل ذلك، والتقرّب من بعضهما البعض من أجل مواجهة الأزواج الخائنين. ومن الألم المشترك الناتج عن الخيانة، تنشأ علاقة فريدة من نوعها بينهما، كما تنشأ القصة التي تحوّلت إلى أشهر الأفلام الآسيوية. يولّد فينا هذا الفيلم شعوراً بالاستمتاع، وهو ما تعودنا عليه من أحد أشهر مخرجي هذا القرن ونغ كار واي.
وقد ضمن المخرج ونغ كار واي هذا الفيلم كل أناقة العصر الذهبي لأربعينيات القرن الماضي في هوليوود. غير أن فيه مسحة تأثر بالتعبيرية السينمائية الفرنسية. ولهذا نرى الكثير من الصور القريبة، والحركة في التصوير، والاستخدام البسيط للاضاءة، واستخدام الظلال بغرض التلميح إلى أن هناك ما يحصل خارج إطار الصورة، بالاضافة إلى الانعكاسات التي تلقي الضوء على أدق التفاصيل. وفي هذا الفيلم أيضاً الكثير من الكليشيهات: كالمظلات في الشارع، وحبيين ومشاهد بطيئة… غير أن هذه المشاهد مصنوعة بدقة متناهية توجد نوعاً من المؤثرات الفريدة والجذابة.
هذا الفيلم هو مزيج من البورتريهات. فهو يروي قصة حب جميلة يدعمها تأليف ساحر بين الألوان والأطر، مع الاحاطة بأدق التفاصيل. المشاهد فيه مصورة على طريقة الصور الشخصية بحركات سريعة وبطيئة. نجد البطليْن يأكلان وحدهما في المشاهد، لتجنب الآخرين الذين لا نراهم كثيراً على الشاشة. أما المشاهد الكثيرة للممرات الضيقة والسلالم، فتوحي بنوع من رهاب الأماكن الضيقة، وتعزّز من عزلة الشخصيات على الرغم من وجودها وسط الناس. وتجدر الاشارة إلى أن الحبكة مصورة بشكل جمالي، ومدعّمة شاعرياً بالأغنية الرائعة التي ألفها كل من شيغيرو أومباياشي ومايكل غالاسو. تدفعنا الموسيقى والايقاع البصري غريب الأطوار للفيلم، للشعور بالرغبات المكبوتة لدى حبيبان يكافحان رغبتهما ليكونا سوياً، بينما تغريهما الصدف المتكررة، كما لو أنهما خلقا لبعضهما البعض.
وقد تم تصوير السيدة تشان تحديداً بطريقة رائعة. يراها الجمهور بالطريقة ذاتها التي يراها بها جارها. حتى الطريقة التي تلين بها برأسها بهدوء، تحمل الكثير من المشاعر المكبوتة. إنها تنجح بإظهار شخصية المغبونة بالخيانة، والوحيدة والمثيرة. يتحوّل الحوار إلى تافه ويتم استبداله بلغة الجسد والنظرات المتبادلة الطويلة والعميقة بالاضافة إلى صوت التنفس الرقيق. تلك هي اللغة التي تعكس الرغبات الداخلية للبطليْن.
وتبعث الحياة في دوامة من الاستياء وحالة الرفض والغضب على التفكير بماهية الرغبة والكبت. إنهما يقولان في الفيلم “لا نريد أن نكون مثلهما”. وهما يقصدان أزواجهما اللذين تسببا لهما بالألم، واللذان هما المحرك العاطفي في الفيلم… لكننا لا نرى وجهيهما فيه.
إنهما لا يظهران في الفيلم أبداً، مما يعزّز الشعور بالمسافة الكبيرة بينهما وبين زوجيهما (البطلين). إن طريقة رواية هذه القصة تبدو وكأن المخرج يترك لنا حرية اختيار الشخص الذي نريده، أو نخافه، للعب هذا الدور البشع. وهذا ما يجعلنا أكثر تآلفاً مع هذه الشخصيات، لا سيما إن كنا قد اختبرنا ظروفاً شبيهة. كما أن الفيلم يولّد أسئلة عديدة لدينا: هل سيشرع الزوجان المغبونان بعلاقة حب مع بعضهما البعض؟ هل سيقلدان من خانهما؟ وإن دخلا في هذه العلاقة، هل سيكون ذلك مبرراً؟ الأمر متروك للمشاهد.
ينجح المخرج ونغ كار واي برواية قصة بسيطة عبر إنجاز تقني معقّد، صانعاً عملاً سينمائياً مميزاً خلال هذه العملية. فيلم ‘في مزاج الحب’ هو عمل جمالي مميّز يتخطى مجرد كونه متأثراً بالتعبيرية السينمائية أو بهوليوود، بينما يحتفظ ببعض معالم الماضي. هذا الفيلم الرومانسي يعالج العلاقات التي تنشأ على الرغم من المسافات، لكن تلك المسافات الحميمة التي من الأصح وصفها بالرقي، تماماً كأخلاقيات ذلك العصر.
لقد حصل هذا الفيلم على أكثر من ثلاثين جائزة في مهرجانات عالمية، منها اثنان في مهرجان كان السينمائي، وهما جائزة أفضل ممثل والجائزة التقنية الكبرى. كما ترشح لجائزة السعفة الذهبية. إنه فيلم يجمع ما بين الذوق والذكاء والموهبة، وهو من أرقّ أفلام قصص الحب في هذا القرن.
In the Mood for Love - Trailer
إعلان فيلم 'في مزاج الحب'