المدوّنة

العودة الى القائمة

نقد سينمائي: الماضي

03 يونيو 2013

بقلم ريم صالح

قصة أخرى عن الانفصال يرويها لنا المخرج الايراني أصغر فرهادي في فيلم “الماضي“، الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي المنصرم. إلا أن أحداثها وعلى عكس فيلم “انفصال نادر وسيمين“، لا تجري في إيران وإنما في فرنسا، كما تذكرنا قليلاً بهذا الفيلم.

يعود أحمد (علي مصطفى) إلى فرنسا قادماً من إيران، من أجل إنهاء إجراءات طلاق زوجته ماري (بيرينيس بيجو) الفرنسية المنفصل عنها منذ مدة. وعلى الرغم من أنه ليس مضطراً للحضور شخصياً لإنهاء المعاملات، إلا أن الزوجيْن بحاجة لاختتام علاقتهما بشكل لائق.

يصل أحمد ويكتشف أن ماري لم تحجز له غرفةً في فندق، فيضطر للاقامة عندها بوجود سمير (طاهر رحيم)، الرجل الذي ستتزوجه طليقته، وابنه. تتوتّر الأجواء في ظلّ هذا الظرف، فندرك أن النظر إلى الماضي عند المضي قدماً، أمر بالغ الخطورة.

ولماري أولاد من زواج سابق أيضاً، يستقبلون أحمد بحرارة كبيرة، لا سيما أنه كان لهم أباً حنوناً. يزيد ذلك من توتّر الأجواء، لأنه يصعّب اندماج سمير في عائلة ماري. ثم يجد أحمد نفسه غارقاً في مشاكل العائلة. تظهر على ابنة ماري تصرّفات عدائية، لأنها تجد صعوبةً في تقبّل زوج أمها الجديد. وسط هذه المعمعة، يعيش سمير في صراعه الداخلي الخاص. فزوجته في كوما، ماذا لو استيقظت؟ كما أن العائلة التي بدت سعيدة، بدأت تواجه اضطرابات بسبب حضوره. يبدأ أحمد بالتشكيك بقراراته التي تخصّ المستقبل، وتبدأ الذكريات بالعودة إليه.

نكتشف بعد انتهاء “الماضي” أن مقارنته مع فيلم “انفصال نادر وسيمين” أمر لا بد منه. فالمخرج فرهادي يعود إلى معالجة موضوع الانفصال والماضي. كما أن أوجه الشبه بين الفيلميْن صارخة، تشعرنا أن القصة مألوفة جداً. غير أن استعانة المخرج بممثلين عالميين لا تجعلنا نكترث بكل ذلك. نغوص معه في حبكة ذكيّة وحوارات مُصاغة بشكل رائع، يطبعها الممثلون بنكهة خاصة مع أداء عفوي جداً، لا سيما الأطفال. ولا ننسى أن بيرينيس بيجو حازت جائزة أفضل ممثلة عن دورها في هذا الفيلم في مهرجان كان السينمائي.

يركّز هذا الفيلم على الأحداث الماضية لأنها امتداد للأحداث الحالية. تسقط الأقنعة رويداً رويداً عن وجوه الشخصيات، ليتضح أنها كلها مساهمة في الألم الذي تسببته لأنفسها ولكل من حولها.

نأمل ألا يقف المخرج فرهادي عند الأوسكار الأول الذي ناله فيلم “انفصال نادر وسيمين”. ولكن من دون شك، يبقى فيلم “الماضي” عملاً ممتازاً، حتى لو لم يتلقّ حقّه من التقدير بسبب قوة العمل الذي سبقه في معالجة موضوع مشابه.

blog comments powered by Disqus

staging